إنَّ كلَّ من يستعد لأداء الحج أو العمرة يولي اهتمامًا بالغًا لكل التفاصيل: من تعلُّم المناسك، والمحافظة على الصحة الجسدية، والاستعداد المادي.
ولكن كثيرًا ما نغفل عن زادٍ عظيمٍ لا يقل أهميةً عن كل ذلك، بل هو المفتاح الذي يُيسِّر العبادة ويجعلها أكثر بركةً ومعنًى: رضا الوالدين.
وفي موعظة بليغة، ذكَّر الشيخ فرندا أندرجا – حفظه الله – بحديثٍ نبويٍّ شريفٍ يضع الوالدين في مكانةٍ عظيمةٍ جدًّا، حديثٍ يجب أن يقف عنده كلُّ من يرجو أن يكون من ضيوف الله ﷻ في الأرض المقدسة.
حديث «الوالد أوسط أبواب الجنة» (أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ)
قال رسول الله ﷺ:
«الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ».
“الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنة.”
كلمة «أوسط» في اللغة العربية تحمل معنيين جميلين عظيمين:
- الأقرب إلى الوسط، أي المكان الأهم والأقرب إلى القلب.
- الأفضل والأكرم، كما قال الله ﷻ: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي أمةً خيارًا وعدلًا.
ومن هنا يتبين أن برَّ الوالدين ليس عملًا عاديًّا، بل هو من أسرع الطرق وأعظمها إلى رضوان الله ﷻ وجنته.
خيار الإنسان: أن يحفظ الباب أو يضيّعه
ويتابع الحديث الشريف بقوله ﷺ:
«فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوِ احْفَظْهُ».
أي أن الله ﷻ قد فتح لعباده بابًا خاصًّا إلى الجنة، بابًا قريبًا وسهلًا، هو الوالدان.
ولكن القرار بأيدينا: هل نحفظ هذا الباب بكل إخلاصٍ ومحبة، أم نضيّعه بالغفلة والانشغال بالدنيا؟
وجود الوالدين في الحياة فرصةٌ لا تُقدَّر بثمن، ومن رزق هذه النعمة فقد فُتِح له أقصر طريقٍ إلى الجنة.
دلالات الحديث لمن يتهيّأ للحج أو العمرة
يحمل هذا المعنى وزنًا خاصًّا لكل من يستعد للرحلة إلى البيت الحرام:
- اطلب رضا والديك ودعاءهما قبل السفر.
 فإن دعاء الوالدين من أعظم الأدعية بركةً واستجابةً. قبل أن تغادر، قف بين أيديهما، واطلب عفوهما، واستمدَّ رضاهما. فإن رضاهما من رضى الله ﷻ، ودعاؤهما نورٌ يصحبك في كل خطوةٍ من عبادتك.
- أرسل والديك إلى العمرة أو حجّ عنهما إن عجزا.
 من أعظم صور البر أن تعين والديك على أداء النسك، فإن كانا قد توفيا أو عجزا، فاعقد نيتك لأداء العمرة أو الحج عنهما. فالأجر متواصل، والمحبة متجددة.
- طهّر نيتك قبل الدخول إلى بيت الله.
 الرحلة إلى بيت الله ﷻ ليست مجرد سفر، بل تطهيرٌ للنفس من الذنوب. فكيف يطلب العبد المغفرة عند الكعبة وهو لا يزال مقصّرًا في حق من ربّياه؟ رضا الوالدين هو تمام الإخلاص.
الخاتمة: ابدأ رحلتك من «باب الجنة» في بيتك
قبل أن تطرق باب بيت الله ﷻ في مكة، احرص أن تكون قد حفظت باب الجنة في بيتك، وهما والداك.
رضاهما يُسهِّل طريقك، ويدفع عنك المشقة، ويفتح لك أبواب القبول ليكون حجّك أو عمرتك مبرورًا.
نسأل الله ﷻ أن يرزقنا برَّ والدينا، وأن يرضى عنا بفضله وكرمه، وأن يكتب لنا زيارة بيته الحرام بقلوبٍ نقيةٍ وأرواحٍ مطمئنة.
